وضع داكن
01-06-2025
Logo
برنامج مع الرسول - الحلقة : 15 - أدب النبي صلى الله عليه و سلم مع النعم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال نور الدين :
  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
 أيها الكرام ؛ أينما كنتم نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول صلى الله عليه وسلم" ، هذه الحلقات المباركة التي نعيش فيها مع نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ، نتعلم من هديه ، ومن أخلاقه ، ومن شمائله ، ومن سنته ، ومن سيرته .
 نحاور في هذه الحلقات شيخنا الفاضل الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ونفع الله بكم .
الدكتور بلال نور الدين :
 وبكم سيدي أكرمكم ربي .
 سيدي ؛ نتحدث اليوم عن تعامله ، وعن أدبه صلى الله عليه وسلم ، عن النعمة ، نحن نعيش في نعم كثيرة أنعم الله بها علينا ، وينبغي أن نتعلم هدي النبي بالتعامل مع النعم ، النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح أنه أكل رطباً ، واستظل بظل ، وماء بارد فقط فقال :

(( عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : خرج أبو بكر بالهاجرة إلى المسجد فسمع بذلك عمر فقال : يا أبا بكر ما أخرجك هذه الساعة ؟ قال : ما أخرجني إلا ما أجد من حاق الجوع ، قال : وأنا والله ما أخرجني غيره ، فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما أخرجكما هذه الساعة ؟ قالا : والله ما أخرجنا إلا ما نجد في بطوننا من حاق الجوع ، قال : وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غيره ، فقوما فانطلقوا حتى أتوا باب أبي أيوب الأنصاري ، وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً أو لبناً فأبطأ عنه يومئذ فلم يأت لحينه فأطعمه لأهله ، وانطلق إلى نخله يعمل فيه ، فلما انتهوا إلى الباب خرجت امرأته فقالت : مرحباً بنبي الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم فأين أبو أيوب ؟ فسمع وهو يعمل في نخل له فجاء يشتد فقال : مرحباً بنبي الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه يا نبي الله ليس بالحين الذي كنت تجيء فيه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : صدقت ، قال : فانطلق فقطع عذقا من النخل فيه من كل من التمر والرطب والبسر ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما أردت إلى هذا ألا جنيت لنا من تمره ؟ قال : يا نبي الله أحببت أن تأكل من تمره ورطبه وبسره ، ولأذبحن لك مع هذا ، قال : إن ذبحت فلا تذبحن ذات در ، فأخذ عناقاً أو جدياً فذبحه ، وقال لامرأته : اعجني واخبزي وأنت أعلم بالخبز، فأخذ الجدي فطبخه ، وشوى نصفه ، فلما أدرك الطعام ووضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أخذ من الجدي فجعله في رغيف وقال : يا أبا أيوب أبلغ بهذا فاطمة فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام ، فذهب به أبو أيوب إلى فاطمة ، فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم : خبز ولحم وتمر وبسر ورطب ودمعت عيناه ، والذي نفسي بيده إن هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، فكبر ذلك على أصحابه فقال : بل إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا : باسم الله ، فإذا شبعتم فقولوا : الحمد لله الذي هو أشبعنا وأنعم علينا وأفضل ، فإن هذا كفاف بهذا ، فلما نهض قال لأبي أيوب : ائتنا غداً وكان لا يأتي أحد إليه معروفاً إلا أحب أن يجازيه ، قال : وإن أبا أيوب لم يسمع ذلك ، فقال عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تأتيه غداً فأتاه من الغد فأعطاه وليدة فقال : يا أبا أيوب استوص بها خيراً ، فإنا لم نر إلا خيراً ما دامت عندنا ، فلما جاء بها أبو أيوب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا أجد لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً لها من أن أعتقها فأعتقها ))

[أخرجه الطبراني وابن حبان]

﴿ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) ﴾

[ سورة التكاثر]

 قال : ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد ، نحن اليوم نعيش بآلاف مؤلفة من النعم ، كيف نتعامل بهذا الهدي ؟

التعامل مع النعمة ينبع من تعظيم النعمة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أي هذا الماء الذي نشربه كل يوم ، بل كل ساعة يوجد خاصة لولاها لما كان هذا اللقاء، ولما كانت الأردن ، ولا مكان بالعالم ، هذا الماء كأي عنصر بالأرض ، على التسخين يتمدد ، على التبريد ينكمش ، إلا الماء ، في الدرجة زائد أربع بدل أن ينكمش يزداد حجمه ، لولا هذه الخاصة ما كان هذا اللقاء إطلاقاً ، ما كان هناك إنسان في الأرض ، ما الذي يحصل؟ هذا الماء حينما يتجمد تزداد كثافته ، فإن ازدادت هبط ، أي بعد حين البحار كلها تتجمد .
الدكتور بلال نور الدين :
 لو كان يبقى ينكمش .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نعم ، والأمطار تنعدم ، والنبات يموت ، والحيوان يموت ، والإنسان يموت ، تنتهي الحياة بإلغاء هذا القانون ، أما هذا الماء في الدرجة زائد أربع فيزداد حجمه ، تقل كثافته ، يطفو، تبقى سطوح البحار متجمدة ، وأعماقها دافئة ، لولا هذه الخاصة ما كان هناك حياة على وجه الأرض ، كأس الماء هذا الذي نشربه ، لا لون له ، لو كان له لون انتهى الماء ، لو كان له طعم انتهى الماء ، ما هذه الخاصة ؟ لا لون ، ولا طعم ، ولا رائحة ، يتبخر بدرجة زائد أربع ، لو كان يتبخر بدرجة مئة ، البيت دائماً فيه ماء ، لو نظفت البيت بالماء يبقى الماء إلى فصل الشتاء ، هذا التبخر بدرجة بسيطة جداً نعمة كبيرة ، النقطة الدقيق ، الله ما قال : وإن تعدوا نعم الله ، قال :

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) ﴾

[ سورة النحل]

 نعمة الماء وحدها لو أمضيت كل العمر في فهم خصائصها لا تنتهي ، الآية فيها ملمح دقيق ، (تَعُدُّوا نِعْمَةَ) لو قال : نعم الله ، معقولة ، أما نعمة واحدة الماء ، نعمة مثلاً العين، العين ترى كل شيء فيها ، لماذا يوجد عينان ؟ هناك بعد ثالث ، لا يمكن لإنسان أن يضم إبرة بعين واحدة .
الدكتور بلال نور الدين :
 لا يوجد العمق .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 يوجد عمق ، بالاثنتين صار هناك عمق ، يوجد بعد ثالث ، لو ذهبت تكشف خصائص الإنسان والله لا أبالغ لو أمضى الإنسان كل عمره ما انتهى ، هذا الشعر لا يوجد فيه أعصاب حس ، لو كان له أعصاب حس كل حلاقة تحتاج إلى عمليه جراحية ، تخدير كامل ، العين آية ، الشم آية ، الفم آية ، الأسنان آية ، الهضم ، شكل الإنسان ، قوام الإنسان ، أجهزته، والله لا أبالغ لو أمضينا العمر كله في اكتشاف خصائص الإنسان لا ننتهي ، هكذا بلا إله الحياة ؟
الدكتور بلال نور الدين :
 معاذ الله ، حاشا .
الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) ﴾

[ سورة الطور]

الدكتور بلال نور الدين :
 إذاً سيدي ؛ هذا مفهوم جميل جداً ، التعامل مع النعمة ينبع من تعظيم النعمة ، وفهم دقائق الأمر في التفكر فيها .
 فننتقل الآن من النعمة إلى المنعم .

بطولة الإنسان أن يرى وراء كل نعمة منعم عظيم :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أهل الغرب غرقوا في النعم ، يوجد رفاه بالغرب يفوق حدّ الخيال ، سافرت لأمريكا مرات عديدة هناك رفاه يفوق حدّ الخيال ، لكنهم ما عرفوا المنعم ، أهل الإيمان عرفوا النعمة وما عرفوا المنعم ، أنت حينما تأكل أنواعاً منوعة ، أمامك زوجة ، أمامك أولاد أطهار ، بيت تسكن فيه ، يوجد به تدفئة بالشتاء ، تكييف في الصيف ، عندك مركبة بسيطة ، عندك نعم غارق أنت فيها ، فكل بطولتك ، وكل ذكائك ، وكل نشاطك الإيماني أن تعيش هذه النعمة من المنعم ، أن ترى وراءها المنعم .
الدكتور بلال نور الدين :
 جلّ جلاله ، سيدي ؛ النبي صلى الله عليه وسلم من تعامله من النعم ، كان يقول :

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله ليرضى عن العبدِ أن يأكلَ الأكْلَة فيحمَدَه عليها ، ويشربَ الشَّربةَ فيحمدَه عليها ))

[أخرجه مسلم ، والترمذي]

 فالحمد سيدي هو الحالة النفسية المبنية على فضل الله عز وجل .
 

من اكتشف نعم الله ازداد حباً له :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أعرف شخصاً لا ينام ، التقيت معه ، يدفع كل ثروته لينام ليلة واحدة ، أما أنت فتضع رأسك على الوسادة وتنام ، لا أحد ينتبه لهذه النعمة ، النوم نعمة ، النسيان نعمة ، يوجد موقف صعب جداً مرّ نسيته ، لو لم تنسه تعيش بنكد كل حياتك ، كلما اكتشفت نعم الله تزداد حباً له ، الزوجة الصالحة نعمة كبيرة ، الشهوة أودعها فينا ، تنفذ عن طريق حلال ، وترقى به ، المؤمن قد يكون في لقاء زوجي ، يصلي قيام الليل ويبكي في الصلاة ، ما فعل شيئاً بخلاف المنهج ، لو إنسان حاور فتاة لا تحل له ، لا ينام الليل إذا كان عنده إيمان .
الدكتور بلال نور الدين :
 فطرته سليمة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 يوجد فرق .
الدكتور بلال نور الدين :
 سيدي ؛ أيضاً من توجيهاته صلى الله عليه وسلم التعامل مع النعمة ، قال :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : ما عَابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قطُّ ، إن اشْتَهَاهُ أكله ، وإن كَرهه تركه ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي]

النبي الكريم جمع بين الواقعية والكمال في التعامل مع نعم الله :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هو إنسان ، يوجد طعام طيب ، وطعام غير طيب ، لكنه ما عاب طعاماً قط ، انظر إلى الموقف الكامل ، جمع بين الواقعية والكمال ، لم يشتهِ لم يأكل ، عنده ذوق ، ذوق عال جداً، لكن ما عابه قط .
الدكتور بلال نور الدين :
 نعم ، هذا توجيه سيدي للأدب مع النعم ، أحياناً سيدي للأسف الشديد بعض ديار المسلمين ، وهذا توجيه ونحن الآن على الفضائيات تجد في حاويات القمامة الخبز ، مثلاً كسرات الخبز ، أو أحياناً كميات الخبز والطعام ، أليست هذا وصمة عار أن يلقى الطعام في القمامة ؟

الأدب مع النعمة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله في بلاد بعيدة حدثوني أحياناً تقام وليمة ، قطر المنسف عشرة أمتار أحياناً ، ولا يؤكل ، كله للقمامة ، لذلك أحياناً نمرة سيارة ثمنها حوالي خمسين مليوناً ، ما هذا الإنجاز الضخم ؟ ليس له معنى إطلاقاً ، فلذلك الإنسان حينما يعرف الله يضبط مقاييسه ، هناك مقاييس فُعلت معنا لابتزاز أموالنا ، لأنه راكب سيارة رقمها ثلاثة ، وإذا كان رقمها ثلاثة ، ليكن مليوناً .
الدكتور بلال نور الدين :
 النمرة لا قيمة لها .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 ليس لها قيمة إطلاقاً ، أشياء شكلية ، كلها أشياء شكلية .
الدكتور بلال نور الدين :
 إذاً سيدي الأدب مع النعمة ألا تمتهن ، النعمة عندما تمتهن وتلقى ، الله تعالى قال :

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)﴾

[ سورة إبراهيم]

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله أعرف إنساناً ، أقسم لي بالله ما دخل بيته طعام إلا بأعلى درجة ، الفواكه بالصناديق ، الحلويات بالأواني الكبيرة ، قال لي : الآن أنقب بالقمامة ، حتى آكل خسة لم تؤكل، الله كبير ، إذا أعطى أدهش ، وإذا حاسب فتش .
الدكتور بلال نور الدين :
 وبالشكر تدوم النعم ، أي نقيد النعمة بالشكر .

شكر الله على نعمه يكون بالامتنان الداخلي ثم بالتعبير اللساني :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الآية لها معنى دقيق ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) الشكر يبدأ بالامتنان الداخلي من الله ، يا ربي لك الحمد آويتني ببيت ، ولي زوجة وأولاد ، ومعي دخل يكفي ثمن طعامي ، وشرابي ، والمداواة ، إلى آخره ، هذا الشكر الامتنان الداخلي ، والتعبير باللسان : يا ربي لك الحمد ، غمرتني بفضلك ، برحمتك ، غمرتني بإكرامك لي مثلاً ، أما البطولة الكبيرة جداً فأن تقابل هذه النعمة بعمل صالح ، والدليل :

﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) ﴾

[ سورة سبأ]

 فلذلك الشكر الحقيقي ينقلب إلى عمل صالح .
الدكتور بلال نور الدين :
 وزيادة ( لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ، لا تدوم فقط لكنها تزيد .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 يوجد هكذا ، ويوجد هكذا ، بالشكر هكذا ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ، أما الأولى فبالشكر تدوم النعم هكذا .

خاتمة وتوديع :

الدكتور بلال نور الدين :
 وقابلها سيدي قابل الشكر بالكفر ، قال : ( وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) .
 جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
 أخوتي الأكارم ؛ في نهاية هذه الحلقة أشكر لكم حسن المتابعة كما أشكر لشيخنا حسن الأداء ، أسأل الله أن نلتقيكم دائماً على خير ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور